top of page

نحو نظرية موحدة للعمارة UAT | نيكوس سالينغاروس

  • صورة الكاتب: Raghad
    Raghad
  • 14 أبريل 2022
  • 5 دقيقة قراءة

مقدمة


يُمثِّل كتاب «النظرية المعمارية الموحدة » للمؤلف نيكوس سالينغاروس Nikos Salingaros إجابة لأشد الأسئلة قلقًا :(لماذا لا يتفق عوام البشر والمعماريون على جماليات المباني؟)

أُصدر الكتاب مجزئًا على عدة مقالات في موقع Archdaily.com الشهير.

وترجمه إلى العربية فريق Twenty Two إيمانًا بأهميته لطلبة العمارة وممارسيها في العالم العربي.

يختلف هذا الكتاب عن غيره من الكتب النظرية للعمارة بأنه لا يقدم شيئًا جديدًا، وإنما يُلغي معظم ما كُتب عن العمارة المعاصرة ويُحيي ما وجد منذ الأزل في ثقافاتنا وعمارتنا العربية.

وإنه نابع عن تأمل واقعي بالعمارة، وبجرأة الطفل في قصة ملابس الإمبراطور «الشفافة» الذي تساءل بعفوية «لمَ الإمبراطور عاري؟» وذلك على رغم اتفاق جميع حاشيته بتبجيل تلك الملابس.


صور جميلة: أبنية مختلة


على مدى العقود الماضية تم تضليل البشر بتخيل “العمارة المستقبلية” على شكل أبنية مكسرة ومحورة ومبنية حصرًا من الزجاج والمعدن المصقول.

حيث أُقنِع الممارسين اليافعين على أن الحداثة تأتي بشكل أساسي من “الأشكال الغريبة” التفكيكية، وعلينا كمعماريين الاستيقاظ من هذا الوهم المؤسف.

يقول سالينغاروس بأن هنالك مالا يعد ويحصى من الكتابات التي تم نسبها خطأً إلى نظريات العمارة -وإن كانت لاشيء من هذا القبيل- ويتم تدريسها لطلاب العمارة بحيث تعمل على تعزيز بعض الموضات والعقائد بدلًا من فهم أساسيات التصميم العمراني السليمة.

حيث يتعرض طلاب العمارة للصور الترويجية للتصاميم ووسائط الإعلام على أنه هذا هو مايجب علينا أن نمجده من الآن فصاعدًا، وبذلك يتم تلقينهم كره وتدمير التعبيرات المعمارية المحلية التقليدية. فالطلاب أُجبروا على دراسة الهندسة المعمارية كتاريخ فقط ولم يُسمح لهم بتعلم الأدوات العملية منها ولا تطبيق الدروس المستفادة. كما لو أنهم يقولون “شاهد وتعجب ولكن لا يسمح لك إعادة استخدام أي شيء!”


ree


تجاهل التجربة الإنسانية: دوغمائية عقائد التصميم الحديث.


تتلخص مشكلة بعض النقاد بأنهم يحكمون على المباني من صورتها وليس من تجربة شخصية مباشرة لها، فهم لا يهتمون فيما إذا كانت الأشياء تعمل أو أنها مناسبة فعلًا للمستخدم. إنهم لا يجرؤون على انتقاد أعمال المهندسين المعماريين الشهيرين لأن هذا سيضعهم خارج المنظومة المختلة. فأي نظرية مستحدثة يجلبونها تستهتر بالجماهير وتتحدث مع قلة من النخبة على أن الشخص العامي جاهل ولن يفهم.

وإن اتبّع ممارسوا العمارة بشكل أعمى مناهج التفكير المشوهة التي لا تضع المستخدم والبيئة في عين الاعتبار فإنه يقودهم لبناء منشآت مثيرة للتوتر وسيئة على صحة وسلامة البشر.

إلا أن بعض المعماريين ممن يميلون للعيش في كون اصطناعي من صنع أنفسهم “عالم الصور المنفصلة عن الواقع” فقد عرّفوا الإبداع على أنه تناقض مع الطبيعة، وهذه الفكرة يتم تقديسها منذ مطلع الحداثة، فقد أصبح ممارسوا العمارة المُختالة المُختلّة يتجاهلون النهج التقليدي المُثبت نجاحه مخطئين بحقه بأنه لا يتعدى على كونه نسخًا من نماذج قديمة، على أنه بالحقيقة استخدام مفردات مطورة لتوليد حلول أصيلة.

لكن اليوم مع الانهيار البيئي الذي يلوح بالأفق، توجه عدد أكبر لمعارضة المسار الربحي السريع أو إفادة ثلة من الأفراد أو مجموعات صغيرة على حساب البيئة المحيطة واحتياجات المستخدمين.




التضحية بالهوية من أجل العولمة


يومًا بعد يوم، يتضح الانجذاب للعولمة ورفض جميع التكيفات الإقليمية، والأكثر من هذا أن البعض يطعن بأي عنصر فقط لأنه ينتمي للغة شكلية تقليدية. تحول المرء ضد تقاليده الثقافية في سبيل الابتكار.

نتيجة للممارسات الحديثة العوجاء, جُعل البعض إلى تجاهُل أو بغض ثقافة المرء وممارساته, مما يدفع الناس إلى رفض ماهو تقليدي لهم، واحتضان رموز أجنبية جديدة على أنها بطريقة ما أفضل.

إن التضحية بالهوية من أجل العولمة أفسدت القيم والمعتقدات وثقافات المعمار التقليدي التي داوم عليها البشر لآلاف السنين. وكل هذا يُعرض البلدان النامية لخطر خسارة كل ما امتلكوه من فن تقليدي وهندسة معمارية في سبيل تقليد الغرب.

شخصيًا، أرى أنه من المدهش أن الناس جاهزة وحريصة على التخلي عن تراثها الثقافي من أجل متابعة أحدث صيحات الموضة..



تصاميم غير صحية: التقليلية مقابل التعقيد المنتظم


للتصاميم غير الصحية شيء مشترك: مطابقتها لصورة بديهية مسبقة أو لمفهوم تجريدي أو لما ينبغي صورة المبنى أن تكون; فشخص ما قدم صورة في البداية وأخذ الجميع يقوم بنسخ تلك الصورة بسعادة دون تفكير أو تأمل لعواقب تطبيقها.

ينتقد سالينغاروس مدرسة التقليلية Minimalist وغيرها من البيئات فقيرة المعلومات والتي تؤدي إلى الإكتئاب. وقد ثبُت في عدة تجارب ودراسات أن الصغار الذين ترَبوا في بيئات أكثر غنى بالمعلومات ستطوِّر فيما بعد وبشكل ملموس قدرة أعلى للدماغ والذكاء. وفي عام 1994 أصدرت مجموعة Carnegie Task Force تقريرًا محذرًا من أن البيئات التقليلية التي تفتقر إلى الغنى البصري بكل أنواعه يمكن أن تهدد بشكل دائم التطور الفكري للأطفال.

ليس بالضرورة أن تنتج البيئات عديمة اللون والملامح استجابة تخديرية، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى التوتر بشكل ملحوظ.



ree
Rolex learning center, SANAA.


الخطوة التالية: إصلاح المنظومة التعليمية


بهدف إصلاح التعليم الذي يُدرَّس الكراهية للتراث المعماري والثقافة; يقترح سالينغاروس ومؤيديه أن الطريق إلى إعادة إنشاء بنية الهندسة المعمارية كنظام قائم على المعرفة سيكون ببساطة عن طريق إعادة بناء قاعدتها المعرفية، فمن دون قاعدة معرفية تستند إلى الواقع -من إدراك بشري ومنهج علمي- ستبقى أبدًا معرضة للفساد كفريسة لأهواء أيديولوجية وموضات وعبادة أفراد.

الحقيقة أن حجة الأغلبية عند مناقشتهم في مسألة العقلنة هي أن العمارة تهدف للابتكار في التصميم وتخليق صور جميلة، إن طريقة التفكير هذه تحكم على الإبداع المعماري بأن يكون ناجحًا بقدر تجاهله للمعرفة السابقة. أولئك الحالمون من يقومون بذلك باسم الابتكار لا يشعرون بأي التزام تجاه المحافظة على المعرفة السابقة أو تطويرها أو حتى اكتشافها.

يُكرر سالينغاروس في مقالاته أن الهندسة المعمارية لم تضع نظامًا فعّالًا لترتيب معلوماتها الموروثة على نقيض العلوم الصلبة -كالفيزياء والكيمياء- التي تعتمد على المعارف السابقة للاكتشاف والتطوير.

ويقترح أن يتعلم ممارسو العمارة جميع اللغات الشكلية -بمعنى الطرز المختلفة- حيث أن بضع هذه اللغات تكون أكثر صلة لمكان ما عن غيرها، وهذا يشكل دعوة لعودة حميدة نحو الإقليمية لأن هذا ما سيقودنا للاستدامة.


الإقليمية الناقدة


الإقليمية الناقدة [1] هي حركة تهدف لجعل التصميم متكيفًا مع المحلية المناخية وظروف الموقع ومع مواد البناء المتوفرة محليًا. وهو مايرى الكاتب على أنه رد فعل صحي للنمط الدولي international للحداثة.

تُقاس الإقليمية من خلال استخدام المواد المحلية ومدى احترام الثقافة المحلية في هندسة المبنى، حتى وإن تم اقتباس أساليب تكيف مناخي مطورة في التصميم.

وهناك فلسفة مشتقة من الإقليمية تتعنى باحترام الموقع (اللاندسكيب) والطبيعة المحيطة، فهل حافظنا على الأشجار والأنهار والهضبان أم أزلناها لنوسع مكانًا لمبنى ما؟ إن استعمال المبنى لمواد محلية ذات جودة ومعمِرَة بوجود الإصلاحات والصيانة الضرورية يُبعث شعورًا بأنه ينتمي لمكان وثقافة معينة، لكن المباني التي لا تستجيب للثقافة المحلية على الأغلب ستضمحل بسرعة وإن لم يحدث هذا فستٌعتبر دخيلة مكروهة.


إمكانية الجمع بين النزعة الإقليمية التكيفية مع الحداثة في القرن الواحد والعشرين.


يعارض البعض بأنه يتوجب على العمارة الإقليمية أن تتكيف مع مجيء الحداثة، وأعلنت بأن الأنماط والممارسات التي تستمد منها هوية المنطقة ليست إلا “حنين إلى الماضي” وبدلًا من ذلك يوصون بجماليات تجريدية مستمدة من الحداثة. إلا أن جهة أخرى -وأراها مناسبة أكثر- تحاول الدمج بين اللغات الشكلية القديمة وتقنيات التصميم المتطورة عن طريق دمج الحديث المفيد مع القديم الجميل.

عند اتخاذ قرار توظيف لغة شكلية قديمة لتصميم مبنى اليوم، للمعماري خيارين; إما أن يستخدم هذه اللغة بشكلها الأصلي أو يطورها عن طريق إضافة تحسينات أو يقوم بالتوفير عن طريق مواد بناء أحدث، وله أيضًا خيار لإضافة عناصر مبتكرة من ابتكاره.

كاللغة المكتوبة والمنطوقة، تتطور اللغات الشكلية مع الزمن، التغيير أمر طبيعي. الغير طبيعي هو التراجع الحاد فيها، فمن المهم عند تعديل لغة شكل معماري أن لا تفقد قوتها التعبيرية والتكيفية.

وأي مجتمع عقلاني لا ينبغي عليه رمي معلومات عملية إلا في حال إثبات خطأها أو عدم جدواها. حيث لم يتم اكتشاف أي خطأ في اللغات الشكلية الأقدم، وفي الواقع كانت بعضها تمتلك ميزات تكيفية مكونةً بيئات ممتعة وعملية ومريحة للعيش والعمل.


ree
Alvar Aalto-nico saieh saynatsalo town hall,1951


ختام

عن طريق احترام المقياس الإنساني والعواطف خلال جمع الأشكال الجديدة مع أنماط تم تصفيتها تنافسيًا عبر التاريخ، نستطيع تعريف عمارة جديدة مناسبة للبشر بدلًا من أن تظل غريبة عنهم.

كمعماريي الغد، علينا كطلاب اليوم أن نتوصل لفهم دور ومسؤولية مهنتنا كشيء مرتبط بالوجود البشري والتجربة الحياتية، وعلى مستقبل تعليم الهندسة المعمارية أن يقوم بفصلها عن السياسة وعن الفلسفة ذاتية المرجع. للمدارس مسؤولية تعليم الأسس المعمارية الأصيلة للتصميم.

وفي الختام، أن نتسلَّح بالجرأة، للإشارة إلى عري الإمبراطور رغمًا عن أنف حاشيته.



[1] الإقليمية بمعنى محلية تكيفية مع إقليمها المناخي والثقافي. نظرية الإقليمية الناقدة Critical Regionalism نهج يسعى لمواجهة مفهوم اللامكان في العمارة الحديثة آخذًا بعين الاعتبار التضاريس والمناخ والضوء، متوجهًا للتأكيد على أسلوب البناء بدلًا من صورته، من أشهر معماريي هذه الحركة ألفار آلتو Alvar Aalto .




تعليقات


Post: Blog2_Post
bottom of page