top of page

كبسولات السبعينيات: العمارة الاستقلابية في اليابان

  • صورة الكاتب: Raghad
    Raghad
  • 26 أغسطس 2022
  • 4 دقيقة قراءة

في أعقاب الدمار الذي حلّ ببلاد الشمسِ المشرقة جراء الحرب العالمية الثانية، وفي خضم جهودها الحثيثة لإعادة إعمار البلاد خلال العقد الأول بعد الحرب ومن ثم دخولها فترة نمو إقتصادي مُتسارع، ظهر جيل من المهندسين المعماريين الشباب ممن لعبوا دورًا مهمًا في النمو العمراني والتخطيط الحضري لمدن اليابان وخاصة طوكيو التي شهدت تزايدًا في عدد السكان مع بدء تعافي الاقتصاد.

ثم أوجدوا ما يُدعى بالعمارة الاستقلابية (Metabolism) وهي حركة معمارية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ سعت إلى تخيل عمارة يابانية جديدة غير مستوردة من الغرب، بحيث تحترم ثقافة الماضي وتنظر للمستقبل على حدٍ سواء.


ree
رجل ينظر إلى الدمار الذي لحق بهيروشيما

العمارة الاستقلابية Metabolism


إن لفظة Metabolism تعني الأيض أو الاستقلاب. وهو مصطلح يشير إلى مجموع التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الكائنات الحية وتسمح لها بالنمو والتكاثر والاستجابة للبيئة المحيطة.


ولكن..ما علاقة مبدأ النمو البيولوجي هذا بموضوعنا؟

في مؤتمر التصميم العالمي الذي عُقد بطوكيو عام 1960، أصدرت مجموعة من المهندسين والمصممين اليابانيين بيانًا بعنوان “الاستقلاب: مقترحات للتوسع العمراني الجديد“وأُعلن عن الحركة الاستقلابية Metabolism movement كمفهوم يجسد النمو العضوي للمدن والمباني تجاوبًا مع التنمية الاجتماعية وزيادة السكان، تشبُّهًا بالتمثيل الغذائي للخلايا البيولوجية، حيث تُوصف المنشآت الاستقلابية بأنها مساحات مرنة وقابلة للتكيف والتطور مع الزمن تزامنًا مع متطلبات المستخدمين.


“هدفهم المنشود كان تصميم مدينة مرنة للغاية في روابطها بحيث يمكن لأجزاءها أن تنمو وتغير من نفسها وتموت بينما يستمر الإنسان بالعيش." (كوروكاوا ، 1977)


مدينة بحرية عائمة


أحد المشاريع الأولية كانت على يد كيونوري كيكوتاكي، متخيلًا مدينة رأسية عائمة، عبارة عن مجموعة منصّات تصل بينها جسور وتتواجد عليها اسطوانات خرسانية تمتد نحو 300 متر إلى السماء ولها قاعدة في البحر.

كانت الخطة أنه سيتم إضافة منصات أو إزالتها مع تغير عدد سكان المدينة واحتياجاتها. مما يؤدي إلى إنشاء مجموعة من الهياكل العملاقة التي يخدم كل منها أكثر من ألف كبسولة مُسبقة الصنع للسكن، وكان يُعتقد أن كل مبنى شاهق قادِر على دعم حوالي 5000 من السكان.

اقترح فكرته هذه واضعًا بالاعتبار الإنتاج الواسع للهياكل مسبقة الصُنع التي اعتُبرت تقنية جديدة في ذلك الوقت، حيث أراد استكشاف إمكانيات إنشاء مدينة كاملة باستخدام هذه التكنولوجيا؛ يسُهل تطويعها وتكييفها وجعلها تنمو بمرور الوقت.


وجديرٌ بالذكر أن الحركة الاستقلابية كانت تستلهم من أفكار الديانة البوذية وتقاليد الشينتو القديمة، حيث استندت إلى مفهوم أن تدمير القديم يسمح ببناء الجديد في دورة التجديد. وبالتالي فإن هذه المدينة العائمة تتشبّه بالرمز البوذي لشجرة الحياة، حيث تدعم هذه النوى الهيكلية الحياة داخل الكبسولات.


ree
النموذج النهائي عُرض في مؤتمر التصميم العالمي بطوكيو 1960.

ree
سكيتش مبدئي للمدينة العائمة.




برج ناكاغين الكبسولي


ree

يعتبر هذا البرج الواقع في في حي جينزا بطوكيو أشهر مثال على الحركة الاستقلابية، وهو من تصميم المهندس المعماري كوروكاوا كيشو. تم بناؤه عام 1972، وهو أحد الأبنية القليلة المتبقية من هذه الحركة، ولكن بسبب تدهور حالته، خضع مالكي المبنى لعمليات الهدم في أوائل 2022.












يتكون البرج من عمودين خرسانيين يعملان بمثابة نواة للمبنى، يوفر كل عمود الخدمات الأساسية من سباكة وكهرباء وغيرها من الخدمات للمائة وأربع وأربعين كبسولة متصلة بالجزء الخارجي للمبنى. الكبسولات متصلة بالأعمدة بطريقة تسمح بإزالتها واستبدالها بسهولة دون التأثير على الحجرات المجاورة. وذلك مكّن من تركيب كل الكبسولات في غضون ثلاثين يومًا، وهو وقت بناء قصير وفعّال من ناحية التكلفة لمثل هذا العدد الكبير من الوحدات.

تتكون كل كبسولة من أجزاء مسبقة الصنع ويتم تجميعها في مصنع قبل نقلها إلى الموقع، وتحتوي كل غرفة على نافذة دائرية كبيرة تطل على السرير الفردي.



ree
إلى اليسار، برج ناكاغين الكبسولي. المنظر من أسفل طريق طوكيو السريع. تم التقاط الصورة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، 2016. وعلى اليمين، سيكينى تاكايوكي داخل كبسولته. تم التقاط الصورة في 23 يوليو 2016. حقوق الصورة : جيريمي سوتيرات

اُعتبر البرج ثوريًا وقتها لكن التصميم بشكل أساسي له ارتباط بالتصميم الياباني التقليدي لغرف الشاي، حيث صُمم الداخل بشكل تقليلي minimalistic كي ينصب التركيز على المستخدم الفرد. بإنشاء مساحة كبسولية خاصة به.

والمنشأة هي نظام عضوي شامل بإمكانه أن يتغير ويتطور مع تغير احتياجات المجتمع. يُمكن النظر لتأثير العيش في كبسولات كهذه على أنها بيئة تأملية بحيث يكون العمل بجد والتركيز فيه جزءًا لا يتجزأ منها، أو على أنها مزيج غير صحي من العزلة والانفصال لفرد واحد. رأى البعض أن تشجيع العزلة في كبسولات يخلق واقعًا بائسًا حيث يتم تقييد الإنسان وسجنه داخل زنزانته الفردية بواسطة التكنولوجيا ذاتها التي يعتقد أنها تخدمه.

رؤية السبعينيات للمستقبل هي نوعًا ما قريبة من واقِع جيلنا الحالي في تبني التكنولوجيا لخدمة الإنسان، لكننا نسعى بشكل أساسي لتطويعها بشكل إيجابي للفرد والمجتمع ككل.




هناك أمثلة لمنشآت أخرى تم بناؤها في حقبة حركة العمارة الاستقلابية، من مثل مركز كيوتو الدولي للمؤتمرات، المبنى الإداري لمعبد إيزومو، مركز شيزوكا للصحافة والإذاع، وسفارة الكويت في طوكيو. ولكن تم بالفعل هدم معظم هذه الأبنية بسبب التكاليف الباهظة اللازمة للحفاظ عليها نتيجة التتدهور التدريجي لحالتها الإنشائية. كما تضاءل عدد المباني العامة التي تم تشييدها مع انخفاض عدد سكان اليابان.





انتقادات ودروس


اقترح بعض النقاد، وعلى وجه الخصوص راينر بانهام على وجه الخصوص، أن الاستقلابية كانت مجرد نسخة من الحركات الأوروبية التقدّمية في ذلك الوقت، وأن المشاريع كانت "مجرد تقليد لحركة الأركيجرام Archigram"[1]

ورُفضت معظمها بسبب عدم التعمق الكافي في مقترحاتهم. وبعضهم اعتبرها مجرد حماسة طلاب جامعيين.


ree
“المدينة السائرة” من حركة Archigram.


كعضو في مجموعة الاستقلابيون، حاول أراتا إيسوزاكي، أن ينأى بنفسه عن الحركة في نهاية الستينيات ، حيث أنشأ كتيبًا بعنوان "تفكيك العمارة Dismantling of Architecture “ قدّم فيه بدائل وحلول من الغرب لحركة الاستقلاب في محاولة منه لتشجيع المهندسين المعماريين اليابانيين الشباب على الابتعاد عما رآه كحركة مُحتضرة والنظر في البدائل بدلاً من ذلك. وضّح ذلك بأن "حركات الستينيات كانت راديكالية ثورية وليست تقدّمية منطقية. إذ أن الأمة لم تكن تريدُها أو تحتاجها فعلًا.

كانت الحركة الاستقلابية ناجحة من ناحية أنها أدت الغرض في وقت حاجة اليابان لإسكان عدد كبير من المواطنين، وما جعلها تحظى بشعبية كبيرة في ذلك الوقت هو رغبة الأمة بتخطّيها للدمار الذي ألقته الحرب عليها. العديد قالوا أن الحركة لا يمكن الحُكم عليها من خلال الأمثلة القليلة التي قدّمتها، فهي كفكرة ألهمت الشعب الياباني والمهندسين المعماريين؛ جعلتهم يمضون قدمًا مع التمسّك بثقافتهم الخاصة وإنشاء مُدن حضرية مترامية الأطراف ومتقدمة تقنيًا في الوقت الحالي.

أحد أشهر المعماريين المعاصرين، فوميهيكو ماكي، وصف الحركة بأنها “تكنو-يوتوبية” أي رؤية لمدينة فاضلة تستغل التكنولوجيا. الجدير بالقول أن التقنية في وقتنا الحاضر وصلت إلى مستويات لم يكن من الممكن تخيلها في القرن الماضي..


[1] كانت Archigram ممارسة معمارية من الطراز المعماري التقدّمي تشكلت في الستينيات من القرن الماضي، وكانت مُستلهمة من التكنولوجيا من أجل خلق واقع جديد تم التعبير عنه فقط من خلال مشاريع افتراضية.



تعليقات


Post: Blog2_Post
bottom of page