المدن الذكية المستدامة: نحو يوتوبيا جديدة
- Raghad
- 12 أكتوبر 2022
- 4 دقيقة قراءة
تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للمدن Cities Day في 31 أكتوبر من كل عام للتركيز على التحضر والهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة وهو جعل المدن “شاملة، وآمنة، ومرنة، ومستدامة”
والموضوع العام لليوم العالمي للمدن بصورة رئيسية هو “مدينة أفضل، حياة أفضل” بينما في كل عام يتم اختيار موضوع فرعي للتركيز عليه.
ثيم هذا العام هو “اعمل محليًا للانطلاق عالميًا” (Act Local to Go Global) ليناقش أهمية الأفعال المحلية الناجحة في تمكين الحكومات المحلية والإقليمية لإنشاء مدن أكثر إخضرارًا وعدلًا واستدامةَ.
وفقًا للتوقعات السكانية في العالم لعام 2022، فإنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8 مليار في شهر نوفمبر القادِم. [1] ووفقًا لآخر الإحصائيات فإن أكثر من نصف سكان العالم (56.2%) يعيشون في المناطق الحضرية. ولا ننسى ذكر أن المدن مسؤولة عن أكثر من 70% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ونتيجة لكل هذا فإن هنالك حاجة متزايدة لجعل مدننا أكثر ذكاءً واستدامةً مما هي عليه اليوم.
تعِد المدن الذكية بحل تحدّيات تواجهها مدن اليوم كازدحام المرور، وتلوث الهواء والمياه، وغيرها من المشاكل عن طريق توظيفها لمختلف أشكال التكنولوجيا لحل هذه المشكلات بجانب تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وتحسين جودة الإسكان والرعاية الصحية، وتحسين شبكات المياه والصرف الصحي وجعل الخدمات الحضرية أكثر كفاءة.
ماهي المدينة الذكية؟
شعار المدينة الذكية هو المراقبة والتحليل والاستجابة. حيث يتم إدارتها بشكل أساسي من خلال بيئة رقمية، فهي تستخدم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي (AI) ، والاتصالات اللاسلكية ، والبيانات الضخمة Big Data والتحليلات المستندة إلى السحابة، وإنترنت الأشياء للمساعدة في تحسين الإنتاجية وكفاءة وجودة العمليات الحكومية وجعل المدينة أكثر ذكاء واستدامة لمواطينها.
وحسب تعريف الإتحاد الدولي للاتصالات ITU فإن المدينة الذكية هي“مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة، وتلبي في الوقت ذاته احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.”
التطورات الأخيرة في إنترنت الأشياء (IoT)، والذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) والتوأم الرقمي (Digital twin ) والروبوتات والشبكات الذكية كلها تقود الطريق نحو تطوير مدن ذكية مستدامة في المستقبل القريب.

علاقة المدن الذكية بالاستدامة
من أهم ملامح المدن الذكية هو كونها مدن مستدامة صديقة للبيئة فهي تحافظ على الموارد البيئية، وتُساعد على تحسين جودة المعيشة للمواطنين، كما تساهم في الحد من التلوث البيئي، والتقليل من النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها، وتقليل نسبة استهلاك المياه، الخ، عن طريق استخدام مختلف وسائل التكنولوجيا والطاقة المتجددة وإعادة تدوير المخلفات، كل هذا يساعد على الحفاظ على البيئة وتقليل انبعاثات الغازات الضارة.

أهمية البنية التحتية للمدن الذكية
إن توفير بنية تحتية سليمة للاتصالات المستقرة والآمنة والموثوقة هو عامل رئيسي في نجاح المدينة الذكية، حيث أن البنية التحتية الفاعلة تدعم كمية هائلة من التطبيقات والخدمات القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
التوأم الرقمي digital twin والمدن الافتراضية
إن التطورات المتسارعة في مجال البيم (BIM-نمذجة معلومات البناء) وتطبيقه في مختلف أنواع المشاريع ذات المقاييس الصغيرة نسبيًا، تجعل منه أداة واعِدة لنمذجة المقياس التالي: المدن.
نظرًا لأن النمذجة الافتراضية للمباني تساعدنا على تصميمها وفهمها وتضمين المعلومات فيها، فإن محاكاة المدينة بأكملها وتحويلها إلى نموذج افتراضي يشمل التضاريس والبنية التحتية والمباني والفضاءات العامة قد يساعدنا على استخراج معلومات مفيدة مثل أنواع استخدام المباني والوظائف الشاغرة ومساحة الإيجار وغرف الفنادق وتوافر الغرف وعُمر المباني وما إذا كانت محميّة تاريخيًا والكثير الكثير وصولًا إلى حالة البنية التحتية أو مستويات الازدحام المروري.
بدأت النمذجة ثلاثية الأبعاد في أن تصبح أداة قيمة لتصوّر المدن وتخطيطها، كما هو الحال في مدينة سياتل وواشنطن وفانكوفر:


لكن التطبيقات الحالية لمثل هذا النهج لا تزال بسيطة جدًا، وهي ما يُدعى بـ (2.5-D) أي إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد استنادًا إلى قاعدة معلومات ثنائية الأبعاد (بصمة المبنى)، فهي مجرد كتل مصمتة بدون واجهات ولا نوافذ ولا معرفة باستهلاك الطاقة وغيرها. مثل هذه النماذج ليست "ذكية" كفاية لاعتبارها نموذج حقيقي للمبنى الفعلي.
بينما التوأم الرقمي يضمن الاستفادة من الواقع الافتراضي والمعزز لتسهيل تخطيط المدن الذكية والصيانة التنبؤية للخدمات الحضرية والمراقبة في الوقت الفعلي واتخاذ القرارات واستمثال Optimization التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرها في مختلف القطاعات.
الذكاء الإصطناعي (AI) في المدن الذكية
يسمح الذكاء الاصطناعي بتحليل مجموعات كبيرة للغاية من البيانات بشكل حسابي للكشف عن الأنماط التي تستخدم لإثراء عملية صنع القرار في البلديات وتعزيزها.
إنترنت الأشياء (IoT) في المدن الذكية
يُشير مصطلح “إنترنت الأشياء” إلى شبكة الأجهزة التي تتواصل فيما بينها وتتبادل البيانات آنيًا وتتضمن أجهزة استشعار. هذه الأجهزة تجمع البيانات في الوقت الفعلي، وترسلها عبر الاتصالات اللاسلكية إلى أنظمة تحكم مركزية. وهذه بدورها تتحكم بكيفية التعامل مع هذه البيانات; سواء بإدارة حركة المرور أو خفض استخدام الطاقة في منطقة معينة أو تحسين الخدمات الحضرية بشكل عام.

من سيقوم بقيادة الطريق نحو إنشاء وتصميم المدن الذكية؟
في كتابه “المدن الذكية: السعي نحو مدينة فاضلة جديدة” يعتقد أنتوني تاونسند بضرورة مساهمة مختلف أنواع التخصصات في تصميم وتشييد المدن الذكية، من علماء الطبيعة إلى خبراء التكنولوجيا، ولكن الأجدر في المساهمة الأكبر هنا هم المخططون الحضريون والمعماريون والمهندسون، وهذا لأنهم حلقة الوصل في موازنة مصالح شركات التكنولوجيا العملاقة والتصميم الجيد للمدن فيما يحقق المنفعة العامة.
هل تم تطبيق مبادئ المدن الذكية في العالم الحقيقي؟
في الغالب أولى المدن الذكية تكون مدن جديدة تم بناؤها من الصفر. من ضمن الأمثلة الشهيرة هي مدينة مصدر في أبوظبي، وسانجدو في كوريا الجنوبية.
توجد مدينة مصدر كمشروع تطوير حضري تديره شركة الطاقة المتجددة “مصدر” ، التي خصصت 15 مليار دولار لجعل مدينة مصدر المدينة الجديدة الأكثر استدامة على كوكب الأرض.
خاتمة
بغض النظر عن واقعية الأفكار الباهرة للمدن الذكية ووعودها البراقة، يقترح البعض إعادة تأهيل المدن الحالية وتحديثها بالتقنيات الجديدة بدلًا من هدر الموارد في إنشاء مدن جديدة.
وآخرون يشجعون مثل هذه الخطوات الكبيرة في تغيير طريقة عيش المجتمعات وتوفير العدل للأقليات.
لكن..أهم خطوة حالية يجب أن تتخذها الحكومات في مختلف البلدان هو التحول الرقمي وتبني التكنولوجيا في تسيير أمورها بدلًا من العيش على أنظمة الماضي، بحيث تصبح العديد من الخدمات متاحة عبر تطبيقات رقمية يسهل استخدامها في أي وقت ومكان من خلال منظومة رقمية متكاملة وآمنة.
المصادر:
[1] World Population Prospects 2022 : https://www.un.org/en/desa/world-population-reach-8-billion-15-november-2022
[2] Anthony Townsend on Smart Cities. his book "Smart Cities: Big Data, Civic Hackers, and the Quest for a New Utopia"
تعليقات